مرحبا بك في الموقع الرسمي لمركز العلم والثقافة

الرئيسية    |    من نحن    |    اتصل بنا

 
 
 

2023-09-30 السبت, 15 ربيع الأول 1445 12:57 مساءً

 

 

محاضرة البناء الدرامي في شعر محمود درويش


 تاريخ النشر: 9/11/2022م  

 
محاضرة البناء الدرامي في شعر محمود درويش

مركز العلم والثقافة - فلسطين

الرابطة الأدبية – غزة
ضمن فعاليات مبادرة شاعر الأرض، برعاية الهيئة العامة للشباب والثقافة ودعم من المركز الثقافي الماليزي قام مركز العلم والثقافة بالتعاون مع منتدى الإبداع الثقافي بعقد محاضرة عن البناء الدرامي في شعر محمود درويش في قاعة تصوير المحاضرات في الجامعة الإسلامية بغزة.
بين الأستاذ محمد صلاح أبو حميدة في محاضرته عن البناء الدرامي في شعر محمود درويش أن خطاب محمود درويش الشعري مرُّ بمراحل متتابعة من التطور والتحول في بناء نصوصه الشعرية، إذ بدأ حياته غنائياً رومنسياً، ثم تحوَّل تدريجياً إلى القصيدة الدرامية والسرد القصصي، حتى بلغ ذروة تجلياتها في دواوينه الأخيرة: "أحد عشر كوكباً، ولا تعتذر عما فعلت، وسرير الغريبة، والجدارية، وكزهر اللوز أو أبعد، ولا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي".
وهو يرى أن طبيعة النص الدرويشي تراوح بين السردية والإيقاع الغنائي، ولعل القارئ لشعر درويش يلمح بوضوح تلك النزعة الدرامية القائمة على بنية الفعل والحدث والحكاية وتصوير الصراع وبروز عدد من الظواهر الفنية ذات العلاقة بالبنية الدرامية؛ كالحوارية، وتعدد الأصوات، والقناع والتناص وغير ذلك. وحاول أبو حميدة الوقوف على عناصر السرد والبنية الدرامية في خطاب محمود درويش الشعري، التي يمكن تناولها من خلال عناصر: بناء الشخصية، والحوار، والصراع، والحدث.
وتحدث أبو حميدة عن تعدد نماذج الشخصية عند درويش، وكثرة استخدامها في شعره، وتوظيفها بكيفيات متعددة، وتطورها الدرامي في النص. وبينن أن المرحلة الأولى من حياة درويش الشعرية ارتبطت ارتباطاً مباشراً بالمد الثوري والواقع الفلسطيني الجمعي، لذلك برزت في شعره الشخصية المقاومة والثائرة على المحتل والواقع الجديد. وكان سؤال الهوية الوطنية هو الموجه الأساس لبناء الشخصية في دواوينه الأولى. وهو سؤال قد تغير وتشكَّل بصورة مخالفة في دواوينه الأخيرة بعد مرحلة أوسلو وما تلاها. وخير نموذج لنا في هذا السياق الشخصية التي رسمها في قصيدته بطاقة هوية، ففيها لا يتحدث عن شخصية بعينها، ولم يذكر اسم الشخصية، وإنما تحدَّث عن شخصية عامة تحمل سمات عامة، تعزز البعد القومي والوطني في نفس المتلقي.
سجِّل أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!
فهلْ تغضبْ؟
وبين أبو حميدة أن درويش انحاز في بناء الشخصية الدرامية في قصيدة عاشق من فلسطين إلى البعد الوطني على حساب القومي، لتأكيد سؤالِ الهويةِ وتعزيزِها في مواجهة طمس الهوية أو محوها، لذلك برزت السمات الوطنية بشكل واضح في قصيدة عاشق من فلسطين، وركز الشاعر فيها على انتماء هذه الشخصية، وتجذرها في الأرض وتوحدها معها. ذلك أن درويش الذي حاول أن يصنع هوية الأنا الإنسان، أو الأنا العربي في بطاقة هوية، عاد ليربط هذه الذات بمكونها الجغرافي فلسطين، وقد استعار لفلسطين المرأة المعشوقة التي تشكل مع أنا الذكورية ثنائية التكامل.
وأكد أبو حميدة أن درويش حاول في المقابل أن يرسم شخصية الآخرِ المحتل، من خلال قصيدة" جندي يحلم بالزنابق بالبيضاء " ويقدم نموذجاً يخالف ما استقر في وجدان الفلسطيني وكل إنسان مُحتَل، إذ بدا الجندي مسالماً، يبحث عن عالم ينعم فيه بالهدوء والسلام والزهور البيضاء. وكأنه أراد أن يُبرزَ تلك الشخصية على فطرتها قبل أن تلوثها أحقاد الصهيونية العالمية، وتزرع فيها بذور الشر والأطماع الاستعمارية.
وأشار أبو حميدة إلى تقانات رسم الشخصيات من ذلك تقانة القناع، حيث اتخذ شخصية يوسف عليه السلام قناعاً للتعبير عن موقفه من إخوته العرب الذين خذلوه وضيقوا الخناق عليه أكثر من العدو المحتل. يقول:
أَنا يوسفٌ يا أَبي.
يا أَبي، إخوتي لا يحبُّونني، لا يريدونني بينهم يا أَبي. يَعتدُون عليَّ ويرمُونني بالحصى والكلامِ
يرِيدونني أَن أَموت لكي يمدحُوني، وهم أَوصدُوا باب بيتك دوني، وهم طردوني من الحقلِ
هم سمَّمُوا عنبي يا أَبي، وهم حطَّمُوا لُعبي يا أَبي، حين مرَّ النَّسيمُ ولاعب شعرِي، غاروا وثارُوا عليَّ وثاروا عليك، فماذا صنعتُ لهم يا أَبي؟ الفراشات حطَّتْ على كتفيَّ، ومالت عليَّ السَّنابلُ، والطَّيْرُ حطَّتْ على راحتيَّ فماذا فعَلْتُ أَنا يا أَبي، ولماذا أَنا?
حيث بين أبو حميدة أن عبارة " أنا يوسف يا أبي" تفتح أبوابها على نداء مفعم بالشكوى وموجه للأب دون الأخوة، فالشكوى موجهة للنظام العربي من الإخوة الأعداء الذين تآمروا عليه وخذلوه وقيدوا حريته وأضعفوا قدرته على مواجهة المحتل، إنهم تخلوا عنه وتركوه في حصار بيروت وحيداً كبئر يوسف ليفعل العدو به ما يشاء، وأمام هذه المفارقة العجيبة تأتي أسئلة الضياع والبحث عن أسباب الكره والنكاية لهذا الإنسان البريء الوديع.
وأكد أبو حميدة أن البنية الحوارية في القصيدة الدرويشية تكاد تكون من أخص خصائص خطابه الشعري، وإن بدا ذلك أكثر وضوحاً في أعماله الأخيرة. وعلى مستوى الحوار الداخلي المونولوج، فإن درويش أكثر من استخدامه في أشعاره ؛ لكسر رتابة السرد والطابع الغنائي من ناحية، وللإسهام في كشف خلجات النفس وتأملاتها من ناحية أخرى، يقول في قصيدة " في بيت أمي " من ديوان لا تعتذر عما فعلت:
في بيت أُمِّي صورتي ترنو إليّ / ولا تكفُّ عن السؤالِ:
أأنت، يا ضيفي، أنا؟
ثم يندمج مع صوت الشاعر؛ ليبدأ المونولوج في رسم معالم الخطاب الشعري:
هل كنتَ في العشرين من عُمري، / بلا نظَّارةٍ طبيةٍ،/ وبلا حقائب؟
كان ثُقبٌ في جدار السور يكفي / كي تعلِّمك النجومُ هواية التحديق / في الأبديِّ...
(ما الأبديُّ؟ قُلتُ مخاطباً نفسي)
ويا ضيفي... أأنتَ أنا كما كنا؟ / فمَن منا تنصَّل من ملامحِهِ؟
فالفعل " كنت " وضميره المستتر " أنت " المخاطب الذي تمثله الصورة على الجدار سرعان ما يتحول إلى درويش نفسه في " عمري " من خلال إضافة الاسم إلى ياء المتكلم، مما يعني أن درويش قد اعترف بانتماء الصورة إليه وإلا لقال " عمرك " بل إن عنوان الديوان يحمل حواراً داخلياً عبرت عنه قصيدة لا تعتذر عما فعلت:
لا تعتذرْ عمَّا فَعَلْتَ – أَقول في سرّي. أقول لآخَري الشخصيِّ
وبين أبو حميدة أن الصراع الذي صورته قصائد درويش الأولى لم يكن صراعاً متخيلاً مصنوعاً بل كان صراعاً واقعياً عاشه درويش منذ طفولته المبكرة حينما ترك قريته البروة مشرداً مع المشردين من شعبه إثر النكبة عام 1948م، ويكاد يغلب على دواوينه الأولى عدا عصافير بلا أجنحة الصراع الخارجي مع العدو الصهيوني، إذ إن المرحلة التي أعقبت النكبة 48 والنكسة 67، كانت تقتضي المواجهة مع العدو في سياق محاولة العدو طمسها واقتلاعها من جذورها.
من ذلك قصيدته "عن إنسان" من ديوان أوراق الزيتون ، إذ بنى نصه الشعري على موقفين متقابلين متصارعين: موقف العدو الصهيوني الذي يمارس كل ألوان التعذيب والغطرسة والحرمان والطرد، وموقف الفلسطيني الذي يؤمن بقضيته، ويبحث عن الحرية والخلاص.
وضعوا على فمه السلاسلْ / ربطوا يديه بصخرة الموتى ،/ وقالوا : أنت قاتلْ !
أخذوا طعامَهُ ’ والملابسَ ’ والبيارقْ / ورموه في زنزانة الموتى , / وقالوا : أنت سارقْ !
طردوه من كل المرافئْ / أخذوا حبيبته الصغيرة ’ /ثم قالوا : أنت لاجئْ!
يا دامي العينين , والكفين ! / إن الليل زائلْ
لا غرفةُ التوقيف باقيةٌ / ولا زَرَدُ السلاسلْ !
نيرون مات ، ولم تمت روما... / بعينيها تقاتلْ !
وأكد أبو حميدة أن خطاب محمود درويش يزخر بتقانة الحدث من خلال تعدد الأحداث والمواقف والمشاهد، ففي كل قصيدة ثمة حدث يجري أو يقع أو على وشك الوقوع، وجُلُّ هذه الأحداث تدور حول تجارب الشاعر وتجارب شعبه الفلسطيني، من أمثلة ذلك مقطع من قصيدة الأرض يقول:
خديجةُ ! لا تغلقي الباب / لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
فالمقطع مبني على حدث رئيس، هو طرد المحتل من تفاصيل المكان، بحيث لا يكون للآخر حضور لا في أرض الوطن ولا في سمائه. والشاعر وظف تقنيات عدة لحمل الحدث وتجسيده واقعياً؛ إذ توحَّد مع الأرض، وأصبحت الأرض ملازمة له في كل محسوساته إلى أن وصلت إلى مرحلة العشق الصوفي الذي تفنى فيه الأنا العاشقة في الأنتِ المعشوقة.
واكد أبو حميدة في الختام أن محمود درويش اتخذ من أسلوب السرد القصصي، والبناء الدرامي وسيلة أثيرة لكسر رتابة الإيقاع الغنائي المتمثل في التدفق الذاتي، وانتقالاً من الذاتي إلى الموضوعي ومن التسجيلي إلى الإيحائي ومن الواقعي الحاضر إلى الماضي الخفي. ليجعل النص منفتحاً على عوالم متعددة ويغنيه بالدلالات والإيحاءات المتولدة من البنية الدرامية والرموز الشعرية الغنية بدلالاتها التاريخية والدينية والأسطورية
ومن الجدير بالذكر أن تنفيذ فعاليات مبادرة شاعر العودة يتم بالتعاون مع مؤسسة إحياء التراث وتنمية الإبداع ومنتدى الإبداع الثقافي- كلية الآداب، واللجنة الثقافية-قسم اللغة العربية، ونادي اللغة العربية.
 

اضف تعليق

طباعة

عودة للخلف

عدد القراء: 3958

عدد تعليقات: 0

 
 
 
 
 
 
  • مشروع نفحات مكتبية

  • أنشطة العام 2011

  • مشروع زمام المبادرة التدريبي الشبابي 2011

 

سجل أيميلك هنا ليصلك

 أروع المنشورات وآخر المستجدات

لدى مركز العلم والثقافة - غزة

 
 

الرئيسية   |   أخبار المركز   |   المكتبة   |   روضة فرح ومرح   |   المجلة المحكمة   |   الحديقة   |   جريدة ثقافية   |   إصدارات   |   مشاريع   |   منتديات   |   ألبوم الصور   |   اتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة لدى مركز العلم والثقافة

2011م - 2012م

فلسطين - النصيرات

 

تصميم وبرمجة

ألوان للدعاية والإعلان